الضفة الغربية- داخل محله في مدينة جنين يكمل عبد الرحمن الزبيدي عمله في تغيير زجاج السيارات، وهو نفس المحل الذي غادره شقيقه جبريل الزبيدي الأحد الماضي عائدا إلى منزله ليأخذ استراحة قصيرة، وهناك في حي الجابريات القريب من مخيم جنين اعتقلته قوات الاحتلال.
وجاء ذلك عندما اقتحمت قوات خاصة الحي وحاصرت منزل جبريل الزبيدي، واتصل بزوجته ضابط مخابرات إسرائيلي وأبلغها بضرورة تسليم جبريل نفسه، يقول الشقيق الأكبر عبد الرحمن “أبلغهم جبريل أنه سيسلم نفسه بشرط ألا يدخلوا المنزل الذي لا يوجد فيه سوى الأطفال”.
وجبريل شقيق الأسير زكريا الزبيدي أحد أبطال “نفق الحرية” الذي استطاع مع 5 من المعتقلين الفلسطينيين الفرار من سجن جلبوع بعد حفر نفق داخل السجن في سبتمبر/أيلول 2021، قبل أن تعيد إسرائيل اعتقاله بعد 6 أيام من فراره.
ويسكن جبريل في واحدة من 3 شقق تعود له وإخوته زكريا وداود الزبيدي، وبعد اعتقاله تكون الشقق الثلاث قد فرغت من أي معيل لها.
“قتلوا داود في مايو/أيار الماضي، وزكريا بالأسر كما تعرفون، لذا لا يوجد في المنزل سوى أطفال أشقائي الثلاثة وأمهاتهم فقط” هكذا يصف عبد الرحمن وضع أسرة الزبيدي حاليا.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف “بقيت وحدي لرعاية أطفال أشقائي، بالإضافة إلى مسؤولية أبنائي الستة”.
وكانت قوة عسكرية إسرائيلية قد اعتقلت شقيق عبد الرحمن الآخر يحيى أثناء عودته من عمله في مدينة أريحا، وباعتقاله ومن بعده جبريل، يكون عبد الرحمن الوحيد المتبقي في المخيم من إخوته.
وينظف عبد الرحمن طرف لوح زجاج قبل تركيبه على سيارة تقف أمام محله بحذر كبير، فيخاف أن يتصدع اللوح كما صدعت إسرائيل تماسك عائلة الزبيدي، بحسب قوله.
استهداف قديم
يوشك عبد الرحمن على الانتهاء من تركيب زجاج السيارة الذي كان ينظفه بحذر، ليقول “هذا حالنا منذ السبعينيات، بدأت إسرائيل ملاحقة أول فرد من عائلة الزبيدي المكونة من شقيقين: محمد وجمال الزبيدي وأولادهم فقط، وكان ذلك من نصيب والدي محمد الذي اعتقل تلك الفترة بتهمة انتمائه لحركة فتح”.
وفي اجتياح المخيم عام 2002 أو ما يعرف بـ “معركة المخيم” قتل قناص إسرائيلي والدة عبد الرحمن التي كانت تقف على نافذة منزلها آنذاك، كما استشهد شقيقه طه نفس العام.
ويعتبر زكريا من مقاتلي معركة المخيم وأحد أبرز قادة كتائب شهداء الأقصى بالضفة الغربية، ليصبح أحد المطلوبين للتصفية أو الاعتقال، قبل ضم اسمه لقائمة من المعفى عنهم ضمن اتفاقية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل عام 2008.
ويقف محمد الزبيدي (19 سنة) الابن الأكبر لزكريا بجانب عمه عبد الرحمن، يساعده في حمل ألواح الزجاج وتركيبها على السيارات، ويقول إنه إذا أراد أن يحسب المدة الزمنية التي عاشها مع والده فإنها لا تتعدى 5 سنوات، لذلك يقول إن حلمه أن يتحرر والده ويعيش معه.
ويربت عبد الرحمن على كتف ابن أخيه قائلا “هذا الشب أنا ربيته، أنا أعرفه أكثر من أبيه زكريا”.
ويقول محمد “والدي شخص عظم جدا في نظري، حرمت منه في حياتي، لكني فخور بأنه أبي، وأعرف أن مصيري وإخوتي وأبناء عمومتي كمصير والدي وأعمامي، الملاحقة والاعتقال هذا ما تريده إسرائيل”.
ويجلس عبد الرحمن ليجيب على اتصال هاتفي، إنها محامية شقيقيه جبريل ويحيى، يضحك مستبشرا من الاتصال “سيحول يحيى الخميس القادم إلى المحكمة، الواضح أن لائحة الاتهام لا يوجد بها أي إدانة له، بإذن الله سيخرج قريبا، يسألونه عن خطاب قدمه خلال حفل استقباله عند خروجه من السجن عام 2018”.
ويضيف “أخبرتني أيضا أن جبريل موجود في معسكر تحقيق الجلمة شمال مدينة جنين للتحقيق معه”.
تغطية الفشل
يؤكد عبد الرحمن الزبيدي أن اعتقال يحيى وجبريل جاء لامتصاص غضب الشارع الإسرائيلي من الحكومة الحالية، خصوصاً مع استمرار عمليات المقاومة في الضفة والقدس المحتلتين. ويعتبر أن اسم عائلة الزبيدي ورقة رابحة في يد الحكومة الإسرائيلية أمام شعبها.
ويتابع “بعد كل عملية للمقاومين بالقدس والداخل الفلسطيني، تقتحم قوات الاحتلال مخيم جنين بحجة إحباط عملية مخطط لها، وتقتل عدداً من شبان المخيم وتعتقل شخصاً، تطلق سراحه بعد وقت قصير في الغالب، كل ذلك لتغطية فشل الحكومة في منع العمليات”.
ويلفت إلى “تظاهر الإسرائيليين ضد حكومة نتنياهو خوفا على ديمقراطية دولتهم كما يقولون، ولإشغال الشارع الغاضب في إسرائيل، يضعون عائلة الزبيدي كمخدر للشارع، كأنهم يقولون للناس هناك: ها نحن نعمل، صدقيني هذا هو سبب اعتقال أخي جبريل”.
ويقول “جبريل اعتقل 12 سنة، ثم اعتقل 10 أشهر ويوم الإفراج عنه فوجئ بتحويله للحكم الإداري 6 أشهر أضرب خلالها عن الطعام رفضا للاعتقال الإداري، واليوم إذا خرج بأي تصريح إعلامي يتحدث عن قتل إسرائيل لشقيقه ورفضا لما تمر به العائلة والمخيم ككل يعتقلونه، يريدون قتلنا وينتظرون منّا أن نسكت”.
وخلال اقتحام قوات الاحتلال مخيم جنين مساء الأحد الماضي، بهدف اعتقال جبريل الزبيدي، استشهد الفتى قصي واكد 14 عاماً، وأصيب شابان آخران بجروح خطيرة.
ويستذكر عبد الرحمن ذات الأحداث وقت استشهاد شقيقه داود، حيث اقتحمت قوة خاصة المخيم وحاصرت منزلا تحصن فيه شاب، فأطلق جنود الاحتلال النار وأصيب داود (44 عاما) واستشهد متأثرا بإصابته اليوم التالي لعملية الاقتحام.
استهداف عائلات المطلوبين
يتبع الاحتلال نهج ملاحقة واستهداف عائلات المقاومين المطلوبين، ففي يناير/كانون الثاني الماضي اقتحمت قوات الاحتلال منزل محمد ونور غنيم في بلدة برقين بهدف اعتقالهما، ولعدم وجودهما في المنزل، اعتقلت والدهما سامي غنيم، للضغط على ولديه لتسليم نفسيهما.
وبعد حوالي 10 أيام حاصرت قوة خاصة الشابين محمد ونور غنيم في منزل بمخيم جنين للاجئين، واتصلت بوالدتهما للضغط عليها لكي تقنعهما بتسليم نفسيهما، لكن القوة فجرت المنزل وقتلت محمد ونور غنيم بداخله.
كما اقتحمت قوات الاحتلال أكثر من مرة منزل أبو رعد خازم القيادي بمخيم جنين ووالد الشهيد رعد حازم، منفذ عملية إطلاق النار في تل أبيت في أبريل/نيسان الماضي، كما هدمت شقة سكنية تعود ملكيتها لحازم في مدينة جنين في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي.
وقد حاولت قوات الاحتلال اغتيال زوجة أبو رعد حازم وولديه خلال وجودهما في سيارتهما الخاصة بسوق مدينة جنين في أبريل/نيسان الماضي.