بعيدا عن مقص الرقيب.. هكذا يسخر شباب الأردن من تردي الأوضاع

عمّان- “عصفور في اليد ولا 10 برا (خارج) البلد”، “حطو (وضعوا) عصفور عالدينار عشان (من أجل) يطير أسرع من أول”، هكذا سخر شباب أردني من وضع صورة طائر “الجزم السينائي” على الدينار الأردني في إصداره الأخير، وهو الطائر الوطني للأردن.

هذه السخرية الواسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي أو ما يعرف بـ”الكوميديا السوداء”، أصبحت أسلوبا عاما لدى الشباب الأردني في تناول القضايا السياسية، ولا سيما المرتبط منها بالواقع الاقتصادي والاجتماعي، وذلك بعد أن كان مقتصرا على المقالات الساخرة والمسرح السياسي في التسعينيات من القرن الماضي.

كما أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي المجال أمام الكتاب الساخرين بعيدا عن مقص الرقيب، حيث وجدوا في الفضاء الرقمي ضالتهم لتنتشر الكتابات الساخرة، وتظهر العديد من الأسماء التي تنوعت أعمالها بين المكتوبة والمرئية، وليغدو لاحقا هذه الأسلوب وسيلة عامة للمواطنين في التعبير عن مواقفهم تجاه الواقع.

نوع من المشاركة السياسية

في هذا السياق، يقول رئيس الدائرة الشبابية في حزب الشراكة والإنقاذ الأردني عمر منصور إن الشباب الآن لا يجد له مكاناً مؤثراً في الحياة السياسة، مما جعل لديه ردة فعل ورفض لكل ما حوله، وهو ما ترجمه في النهاية بالسخرية عبر مواقع التواصل.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى منصور أن هذا الأسلوب هو نوع من المشاركة السياسية، بل إنه نوع جريء وجديد، مضيفا “حتى نحن كشباب حزبيين كانت لنا تجارب في أعمال غنائية ساخرة، ولكن في ذات الوقت هذا لا يغني عن مشاركة الشباب في الحياة السياسية بالأدوات والأشكال المتعارف عليها، وصولاً لأن يكون الشباب جزءا من سلطة القرار التي تحقق لهم طموحاتهم”.

وأشار المتحدث إلى أن الشباب اليوم ينظرون للديمقراطيات في العالم ليجدوا أن لاجئا في دولة ما بعد عدة سنوات وبعد أن يحصل على الجنسية يصبح مؤهلا ليكون عنصرا في السلطة ويملك صلاحية اتخاذ القرار، في المقابل يصطدم هذا الشباب مع الواقع في بلاده، فمن الطبيعي حينها أن يعالج هذا الموقف بالسخرية من الواقع السياسي برمّته”، وفق تعبيره.

 

للسخرية وقتها

من جهته، يرى الكاتب الساخر أحمد الزعبي أن اللجوء للسخرية في التعاطي مع القضايا السياسية الكبيرة والساخنة، مردّه الإحباط الشديد وفقدان الثقة وانسداد الأفق أمام الشباب بأي إصلاح جدّي، فهم يرون -بحسب الزعبي- أن “المسؤولين يتعاملون مع المواضيع الكبرى بخفّة، مما يدفعهم لرد الخفّة بمثلها”.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف الزعبي أنه “عندما يرى الشباب مسؤولا يخبرهم عن اكتشاف النفط في الأردن -كإبر تخدير لارتفاع أسعاره- تجد التعليقات تنهال بالتندر والسخرية، ليس لأنه لا يوجد نفط ولكن لأن الشاب أصبح يدرك عدم وجود إرادة حقيقية في مثل هذه الملفات، فيستقبل استخفاف المسؤول بسخرية طاغية وتندر”، وفق تعبيره.

وحول إذا ما كانت ظاهرة صحية يعتقد المتحدث أن السخرية لها وقتها ومواضيعها، لكن إذا تمت السخرية من كل شيء دون وقفة جدّية، فإن هذا يريح الإدارات السياسية ويميّع القضايا، وبالتالي لا بد أن يكون لدى المعلق إحساس بمتى يسخر ومتى يقف موقفاً جاداً وحاسماً، لكي لا تفقد الأشياء قيمتها خاصة عند وقوع ظلم أو وجود مطلب شعبي معيّن”.

تفسير علم النفس

من جهته، يقول أستاذ علم النفس في الجامعة الأردنية فراس الحبيس إنه طالما يشعر الإنسان بالعجز عن السيطرة على الظروف من حوله، يلجأ إلى السخرية منها.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف الحبيس أن هذا في علم النفس يعتبر دفاعا من دفاعات الأنا، ويطلق عليه “التعويض”، وهو أن يعوض الشاب اهتمامه بهذه القضايا بالسخرية منها حتى يتكيف مع الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، لكي لا تبقى مصدرا لضيق نفسي، وكسبيل للتعويض عن الخسائر التي تعرض لها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك لاستخدام خدمات الموقع قم بإيقاف مانع الاعلانات