عجز غير مسبوق.. لماذا تنتشر أمراض القلب بين أطفال أفغانستان؟

كابل– “بعد ولادة زينب بـ40 يوما بدت عليها علامات التعب والإرهاق، وعندما راجعنا الطبيب أوضح أنها تعاني من ثقبين في قلبها، ويحتاج الأمر إلى إجراء عملية جراحية”، بهذه الكلمات يصف غوث الدين خان حال ابنته.

خان -الذي يسكن العاصمة الأفغانية كابل، ويعمل في ورشة ميكانيكية- علم أن ابنته مصابة بثقب في قلبها مبكرًا، والآن تنتظر دورها لإجراء عملية جراحية.

ولقلة ذات اليد، لجأ خان إلى جمعية الهلال الأحمر الأفغاني للمساعدة في العلاج، معلقا “وافقت الجمعية على علاجها وعليّ انتظار دورها، لا أعلم متى يحين، وعندما راجعت المستشفى الخاص طلبوا مني 4 آلاف دولار، وهذا مبلغ لا يتوفر عندي حاليا، وأخشى على حياة ابنتي”.

أمراض القلب

تعد أمراض التشوهات الخلقية في القلب أحد أكثر وأشهر التشوهات شيوعًا عند الأطفال في أفغانستان، مثل ثقوب القلب و”رباعية فالو” وضيق الصمامات والشرايين، إضافة إلى مرض القلب أحادي البطين.

وحسب الإحصاءات الطبية العالمية، فإن نحو 25% من التشوهات الخلقية بحاجة لتدخل جراحي، وسط معاناة أكثر من 4 آلاف طفل أفغاني من التشوهات الخلقية، معظمهم في ولايات كابل وخوست وننغرهار، في ظل بنية تحتية طبية سيئة للغاية وحاجة هؤلاء الأطفال لعمليات جراحية عاجلة.

ويعد مرض ثقب القلب أحد الأمراض المنتشرة بين الأطفال في أفغانستان، وأدت العقوبات الأميركية إلى ارتفاع أعداد المصابين بهذا المرض في عموم البلاد، إذ إن عائلات كثيرة لا تستطيع علاج أبنائها المصابين لأسباب مادية؛ مما يضطرهم للجوء إلى جمعية الهلال الأحمر الأفغاني لمساعدة المرضى بعد الانتظار فترة طويلة لا تقل عن عام.

إحصاءات

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن جمعية الهلال الأحمر الأفغاني سجلت منذ عام 2008 وحتى الآن أكثر من 24 ألف طفل مصاب بمرض ثقب القلب، في حين تلقى أكثر من 12 ألف طفل العلاج داخل أفغانستان، وأرسل نحو 2300 طفل إلى الهند، و9 إلى باكستان، و250 إلى الصين.

وبعد وصول حركة طالبان إلى السلطة عام 2021، سجلت الجمعية أعدادا كبيرة من المصابين بثقب القلب، ويقول المتحدث باسم جمعية الهلال الأحمر الأفغاني عرفان شرفزوي للجزيرة نت “الوضع مقلق للغاية، وقمنا خلال الأشهر الخمسة الماضية بمعالجة 494 طفلا مصابا بثقب القلب، وإن 627 ينتظرون دورهم بسبب قلة الموارد الطبية والمالية، ونتواصل مع عدة مستشفيات في كابل لاستقبال المرضى الأطفال وإجراء العمليات لهم”.

ويزداد عدد الأطفال الذين ينتظرون تلقي العلاج بشكل مستمر، وسط عجز المستشفيات الأفغانية عن إجراء عمليات جراحية لأسباب عديدة؛ أهمها مغادرة مئات الأطباء الأفغان بعد الانسحاب الأميركي، إضافة إلى قلة الإمكانات الطبية بعد فرض عقوبات أميركية على أفغانستان، يضاف إلى كل ذلك فقر العائلات وعدم قدرتهم على تحمل تكاليف العمليات الجراحية، إذ إن أعداد الذين يتلقون العلاج سنويا أقل بكثير من الذين يسجلون لدى الدوائر الرسمية في عموم أفغانستان.

ويقول اختصاصي أمراض القلب في مستشفى أريانا خيبر صديقي للجزيرة نت “هناك 23 ألف طفل مصابين بثقب في القلب، وإن 12 ألف مصاب ينتظرون العمليات الجراحية، ونواجه عدة مشاكل؛ أهمها الاقتصادية ومغادرة الأطباء المتخصصين من أفغانستان، وكل شهر يخضع 40 طفلا لعمليات جراحية، وهذا عدد قليل جدا مقارنة بعدد المسجلين”.

معاناة مستمرة

وتكشف التقارير الطبية عن أن عددا كبيرا من المصابين بثقب القلب يفقدون حياتهم عند الصغر أو بعد سنوات من العمر بسبب عدم اكتشاف المرض، وهو ما يؤكده مدير الصحة في جمعية الهلال الأحمر الأفغاني عين الله زاهد.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف “رغم اكتمال علاج عدد كبير من المصابين بثقب القلب فإن 20 إلى 25% من الأطفال يموتون خلال فترة انتظار العلاج أو العملية الجراحية، وإن 3 إلى 4% يفقدون حياتهم بعد إجراء العملية”.

في غضون ذلك، يشير الأطباء إلى ارتفاع أعداد الذين يعانون من ثقب القلب مقارنة بالسنوات الماضية، الأمر الذي يقلق العائلات والمسؤولين على السواء، لافتا إلى أن أحد أهم أسباب زيادة عدد مرضى ثقب القلب يتمثل في أن المستشفيات الأفغانية لم تكن قادرة على تشخيص المشكلة في الأطفال، وأنها بدأت التعرف على المرض بصورة دقيقة عام 2015.

من جهته، يعلق عين الله زاهد بأن “مرض ثقب القلب يزداد يوما بعد يوم، فقد كنا نسجل من 1 إلى 10 مرضى شهريا، بينما يتم حاليا تسجيل نحو 10 مرضى يوميا”.

وكانت ألمانيا والصين والهند وباكستان تستقبل مرضى التشوهات الخلقية وتجري لهم عمليات جراحية، بيد أنه منذ وصول طالبان إلى السلطة عام 2021 وفرض عقوبات مالية على البلاد وإغلاق السفارات الأوروبية؛ كل ذلك أدى إلى عدم نقل مرضى ثقب القلب إلى هذه البلدان، مما زاد معاناة الأطفال المرضى.

أسباب عديدة

ويعد مرض ثقب القلب في أفغانستان ظاهرة جديدة، حيث لم يجرب الأفغان هذا المرض من قبل، ويرى الأطباء أن تفشي هذا المرض يعزى لأسباب عديدة، أهمها استخدام الأسلحة المحرمة دوليا خلال العقدين الماضيين.

ويقول طبيب الأمراض القلبية عبد الجليل الكوزي للجزيرة نت “لا يمكن تجاهل تأثير استخدام الأسلحة في القرى والأرياف، فضلا عن التلوث البيئي وتأثيرات ذلك، الكل يعلم أن معظم الأطفال المصابين ينحدرون من الولايات التي شهدت حربا واشتباكات خلال العقدين الماضيين، هذه قنبلة موقوتة يجب التصدي لها بشكل أسرع”.

جدير بالذكر أن مرض الإصابة بالتشوهات الخلقية للقلب لدى الأطفال يأتي في المرتبة الثالثة ضمن أكثر الأمراض شيوعا في أفغانستان بعد سوء التغذية والشلل الدماغي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك لاستخدام خدمات الموقع قم بإيقاف مانع الاعلانات