الرباط – تصارع الشابة المغربية حياة نويورة كل يوم لإنقاذ شركتها من شبح الإفلاس الذي يهددها، وتتسلح بالصبر والأمل والصمود كي لا ينتهي بها المطاف إلى إقفال حلم ثابرت كثيرا لتحقيقه.
تقول حياة للجزيرة نت إنها بعد تجربة وخبرة مهنية قررت عام 2018 خوض غمار تأسيس شركة متخصصة في مجال الاتصال بالدار البيضاء، لتفاجأ بصعوبات وتحديات زاد من تعقيداتها وحدتها تداعيات الأزمة الصحية التي شهدها العالم منذ 2020 بسبب جائحة كورونا.
وبعد عودة الحياة إلى مجاريها ظلت شركة هذه الشابة معلقة، وباتت تبحث عن فرص وعروض للاستمرار، لكنها بالكاد تستطيع الآن سداد واجباتها، وتقول “لا أربح من شركتي الكثير، أنا على حافة الإفلاس، لكنني أقاوم للبقاء على قيد الحياة في انتظار فرصة أقتنصها لأنطلق من جديد وأنجح”.
ورغم أن مشروعها في العاصمة الاقتصادية -حيث الفرص الكثيرة مقارنة ببقية جهات المملكة- فإن حياة تشتكي قلة العروض المتاحة للشركات الصغيرة جدا، وتقول إن شروط الصفقات تتناسب فقط مع الشركات المتوسطة والكبرى، فيما الشركات الصغيرة والصغيرة جدا مستبعدة، والفرص أمامها محدودة، لذلك يكون مصير معظمها الإفلاس.
إفلاس آلاف الشركات
إذا كانت حياة تقاوم لإبقاء شركتها على قيد الحياة وتواجه بصلابة الأزمة الاقتصادية فإن شركات أخرى كان مصيرها الإفلاس.
وأظهرت نتائج دراسة أنجزها مكتب دراسات “أنفوريسك” أن حوالي 12 ألف شركة تعرضت للإفلاس العام الماضي، بزيادة نسبتها 17.4% مقارنة بعام 2021.
وسُجلت أغلب حالات الإفلاس في الشركات الصغيرة جدا بنسبة 99.2%، فيما تمثل الشركات الصغرى والمتوسطة نسبة 0.7%.
ويرى رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة عبد الله الفركي أن هذا الرقم لا يعكس سوى الشركات ذات الشخصية المعنوية التي أعلنت إفلاسها رسميا لدى المحاكم، أما العدد الحقيقي فقد تجاوز 20 ألف شركة.
ويوضح الفركي أن أغلب الشركات الصغيرة جدا هي شركات أفراد، وهي الأكثر تضررا ومعاناة بسبب أزمة كورونا والارتفاع العالمي للأسعار وغياب الدعم الحكومي، مضيفا أن هذه الشركات لا يتم إحصاؤها كونها لا تقوم بالتصريح بالإفلاس لدى الجهات المختصة.
بنية الشركات في المغرب
تنقسم الشركات في المغرب إلى شركات صغيرة جدا وصغرى ومتوسطة وكبرى.
- الشركات الصغيرة جدا: لا يتعدى رقم معاملاتها 3 ملايين درهم (حوالي 300 ألف دولار)، وعدد العمال فيها أقل من 10 أشخاص.
- الشركات الصغرى: يتراوح رقم معاملاتها بين 3 ملايين و50 مليون درهم (بين 300 ألف و5 ملايين دولار).
- الشركات المتوسطة: يتراوح رقم معاملاتها بين 50 مليونا و75 مليون درهم (بين 5 ملايين و7.5 ملايين دولار).
- الشركات الكبرى: يتجاوز رقم معاملاتها 75 مليون درهم (7.5 ملايين دولار) أو تشغل أكثر من 200 عامل.
وتتكون بنية الشركات بالمغرب من 93% من الشركات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة (64% من الشركات الصغيرة جدا و29% من الشركات الصغرى والمتوسطة)، في حين لا تمثل الشركات الكبرى سوى حوالي 7% حسب دراسة للمندوبية السامية للتخطيط، ويتركز ثلثا هذه الشركات تقريبا (63%) في المجال الجهوي للدار البيضاء وطنجة.
وتوفر الشركات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة حوالي 74% من فرص العمل في القطاع المنظم، حسب المرصد المغربي للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة.
وتهيمن هذه الشركات على النسيج الإنتاجي المغربي، إذ تمثل 99.6% من بين أكثر من 296 ألف شركة.
وتعمل 30% من الشركات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة في التجارة، و23% في البناء.
وحسب المرصد، فإن هذه الشركات تمثل 41% من مجمل رقم معاملات الشركات بالمغرب، و26% من المعاملات الموجهة للتصدير، و35% من القيمة المضافة.
أسباب الإفلاس
عزا تقرير “أنفوريسك” إفلاس هذه الشركات إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وما تلا ذلك من ارتفاع في أسعار المواد الأولية وقفزات التضخم التي بلغت مستويات قياسية، إلى جانب ضعف اللجوء إلى الإجراءات الوقائية التي تنص عليها المنظومة القانونية للشركات والتجارة.
أما عبد الله الفركي فيرى أن إفلاس الشركات الصغيرة والصغيرة جدا على الخصوص ليس مرتبطا بالظروف الحالية، بل يرجع لأسباب أخرى بنيوية، فهي لا تستفيد من تمويل البنوك وليس لديها نصيب من الصفقات العمومية.
وأشار الفركي إلى أن قانون الصفقات الصادر سنة 2013 يعطي 20% من الصفقات العمومية للشركات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جدا، غير أنه لا يطبق.
وأضاف أن المناطق الصناعية المجهزة تخصص أوعية عقارية تتجاوز ألف متر، وهي مواصفات تلبي حاجة الشركات الكبرى والمتوسطة ولا تراعي قدرات الشركات الصغيرة والصغيرة جدا التي لا تحتاج سوى ما بين 100 و200 متر فقط.
من جهته، يشير المحلل الاقتصادي بدر زاهر الأزرق إلى أن الشركات الناشئة -التي لا يتجاوز عمرها سنتين- تواجه صعوبات كبيرة في بداياتها وتكون نسبة الإفلاس مرتفعة جدا.
وعلى الرغم من تشجيع الحكومة على إنشاء الشركات الصغيرة والصغيرة جدا عبر برامج مختلفة فإن هذه البرامج -حسب الأزرق- تقتصر على توفير التمويل والإعفاءات الضريبية لمدة محددة، في حين لا توفر الدعم الحقيقي على المستوى القانوني والتسويق والبنية التحتية.
مشكلة بنيوية
وكان وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يونس السكوري قد أقر في البرلمان بالصعوبات التي تعترض الشركات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة.
وأفاد السكوري بأن 12% فقط من الشركات الصغيرة والمتوسطة تصل إلى الموارد البنكية، ووصف هذه الصعوبات بأنها “مشكلة بنيوية”.
وأعلن الوزير بعض الخطوات لتجاوز هذا الوضع، من بينها تبسيط إجراءات الصفقات العمومية الأقل من 5 ملايين درهم (500 ألف دولار)، لافتا إلى أن وزارته أعدت المرسوم الخاص بدعم الشركات الصغيرة والصغيرة جدا في إطار الاستثمار.
وكانت الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات قد أطلقت الأسبوع الماضي المخطط التشغيلي “جيل المقاومين”، ويهدف هذا المخطط إلى دعم 100 ألف من حاملي المشاريع والمقاولين الذاتيين، وكذلك المقاولات الصغيرة جدا بين سنتي 2023 و2026.
ميثاق الاستثمار
ويدعو الفركي الحكومة إلى إعطاء اهتمام أكبر للشركات الصغيرة والصغيرة جدا في صياغة أي برامج اقتصادية، بالنظر لمساهمتها المهمة في الحفاظ على السلم الاجتماعي كونها المشغل الأول في البلاد.
ولحل مشكلة الوصول إلى التمويل يقترح الفركي إنشاء بنك للدولة لتمويل هذه الشركات التي تقصيها البنوك التجارية لأنها غير مربحة بالنسبة لها.
ويعول المستثمرون على ميثاق الاستثمار الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في ديسمبر/كانون الأول الماضي من أجل تجاوز الصعوبات التي تواجهها الشركات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة.
ويشير الأزرق إلى أن هذا الميثاق يرمي إلى مساعدة الشركات، خاصة تلك الراغبة في الاستثمار في قطاعات جديدة أو مناطق بعيدة، إذ ستستفيد من برامج دعم وتحفيزات ضريبية.
ويتوقع المتحدث أن يكون لهذه التوجهات وقع إيجابي على الشركات الصغيرة والصغيرة جدا، وأن تدفع باتجاه تعزيز صمودها في مواجهة الأزمات التي تعترضها في الأيام الأولى لتأسيسها.